کد مطلب:167893 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:238

العراق ارض المصرع المختار
لمّا عزم الامام علیه السلام علی الخروج من المدینة أتته أمّ سلمة (رض) فقالت: یا بُنی لاتحزنّی بخروجك الی العراق، فإنی سمعت جدّك یقول: یُقتل ولدی الحسین علیه السلام بأرض العراق فی أرض یقال لها: كربلاء!

فقال لها: (یا أمّاه، وأنا واللّه أعلم ذلك، وأنّی مقتول لامحالة، ولیس لی من هذا بدُّ، وإنّی واللّه لاعرف الیوم الذی أُقتل فیه، وأعرف من یقتلنی، وأعرف البقعة التی أُدفن فیها، وإنّی أ عرف من یُقتل من أهل بیتی وقرابتی وشیعتی، وإنْ أردتِ یا أُمّاه أُریك حفرتی ومضجعی!). [1] .

وفی روایة أخری أنّه علیه السلام قال لها (رض):

(واللّه إنی مقتول كذلك، وإنْ لم أخرج إلی العراق یقتلوننی أیضاً..). [2] .

(وقد روی بأسانید أنه لمّا منعه علیه السلام محمّد بن الحنفیة عن الخروج إلی الكوفة قال: واللّه یا أخی، لو كنت فی جُحر هامّة من هوامِّ الارض، لاستخرجونی منه حتّی


یقتلونی.). [3] .

وفی روایة أنه علیه السلام قال لابن الزبیر: لئن أُدفن بشاطیء الفرات أحبُّ إلیَّ من أن أُدفن بفناء الكعبة. [4] أو قوله علیه السلام: ولئن أُقتل بالطفِّ أحبُّ إلیَّ من أن أُقتل بالحرم. [5] .

هذه النصوص ونظائرها تكشف لنا أنّ الامام علیه السلام منذ البدء كان قد اختار العراق أرضاً لمصرعه!

وسرُّ ذلك هو أنّ الامام علیه السلام بعد أن اختار موقفه المبدئی برفض البیعة لیزید وبالقیام كان یعلم منذ البدء أنه مقتول لامحالة، خرج الی العراق أولم یخرج، فكان (من الحكمة أن یختار الامام علیه السلام لمصرعه أفضل الظروف الزمانیة والمكانیة والنفسیة والاجتماعیة المساعدة علی كشف مظلومیته وفضح أعدائه، ونشر أهدافه، وأن یتحرّك باتجاه تحقیق ذلك ما وسعته القدرة علی التحرّك. وبما أنّ الامام علیه السلام كان یعلم منذ البدء أیضاً أنّ أهل الكوفة لایفون له بشیء من عهدهم وبیعتهم وأنهم سوف یقتلونه: (هذه كتب أهل الكوفة إلیَّ ولاأراهم إلاّ قاتلیَّ...)، [6] إذن فهوعلیه السلام بمنطق الشهید الفاتح كان یرید العراق، ویصرُّ علی التوجّه إلیه لانه أفضل أرض للمصرع المختار، ذلك لما ینطوی علیه العراق من استعدادات للتأثر بالحدث العظیم (واقعة عاشوراء) والتغیر نتیجة لها، وذلك لانّ الشیعة فی العراق آنئذٍ أكثر منهم فی أیّ إقلیم اسلامی آخر، ولانّ العراق لم ینغلق إعلامیاً ونفسیاً لصالح الامویین كما هو الشام، بل لعلّ العكس هو الصحیح. وهذه الحقیقة أكّدتها الوقائع التی تلت واقعة عاشوراء، وأثبتت أیضاً صحة هذا المنطلق، ولعلّ هذا هو


السرّ المستودع فی قوله علیه السلام لمّا سأله ابن عیّاش: این ترید یا ابن فاطمة؟

حیث أجاب علیه السلام: العراق وشیعتی! [7] وقوله علیه السلام لابن عبّاس: لابدّ من العراق!. [8] [9] .


[1] بحار الانوار، 44: 331-332.

[2] الخرائج والجرائح، 1:253، رقم 7.

[3] بحار الانوار، 45: 99.

[4] كامل الزيارات: 73.

[5] المصدر السابق.

[6] تاريخ ابن عساكر (ترجمة الامام الحسين عليه السلام)/ المحمودي:211 رقم 266.

[7] تاريخ ابن عساكر (ترجمة الامام الحسين عليه السلام)/ المحمودي: 201، حديث رقم 255.

[8] مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، 1:310.

[9] راجع: الجزء الاول من هذه الدراسة، مقالة (بين يدي الشهيد الفاتح): 161-162.